إنّ "مكانة الأمّة ال​إيران​يّة في المنطقة هي اليوم أكبر من أيّ وقت مضى"، و"أين من المُمكن، في ​العراق​ و​سوريا​ و​لبنان​ وشمال ​إفريقيا​ و​الخليج​ الفارسي، إتخاذ قرار حاسم من دون أخذ الموقف الإيراني في الإعتبار"؟ هذه المواقف التي أطلقها الرئيس الإيراني ​حسن روحاني​ ليست بجديدة، حيث سبق لأكثر من مسؤول سياسي وعسكري وحتى ديني في إيران أن أطلقوا بين الحين والآخر مواقف مُشابهة تمدح السيطرة الإقليميّة لإيران. فما هي خلفيّات هذه المواقف، ومن تستهدف، وكيف ستكون إرتداداتها على الداخل اللبناني؟.

إنّ موقف روحاني الأخير، وكذلك الأمر المواقف المُشابهة التي تصدر على لسان مسؤولين إيرانيّين من وقت إلى آخر، ليست عبارة عن زلّات لسان كما يظنّ البعض في لبنان، بل هي رسائل سياسيّة مُوجّهة إعلاميًا، غالبًا ما يكون لها وقع مُؤثّر على الجهات المَعنيّة بها. والرسالة الإيرانيّة الأخيرة على لسان الرئيس روحاني، لا تُبالي إذا كان خُصوم "​حزب الله​" في لبنان سيُسجّلون النقاط على "الحزب" لجهة تنفيذه أجندات خارجيّة، وبالطبع لا تُبالي إذا كان هؤلاء سيُصوّبون على "التيار الوطني الحُرّ" أيضًا إنطلاقًا من مضمون التصريح نفسه، فإهتمام ​طهران​ هو إستراتيجي وبمُستوى دَولي، ويتمثّل بإبلاغ وزير الخارجيّة الأميركي ​ريكس تيلرسون​ وما يُمثّل، بأنّ أيّ مُحاولة لحصار إيران من جديد، ستقود طهران تلقائيًا إلى عرقلة كل ملفّات المنطقة.

فالرئيس الإيراني كان واضحًا بأنّ طهران تُمسك "القرارات الحاسمة" في كل من العراق وسوريا ولبنان وشمال إفريقيا والخليج الذي يُصرّ المسؤولون في إيران على تسميته الفارسي وليس العربي، وهو يستبق بذلك مجموعة من الإجراءات التي تعمل ​واشنطن​ على تحضير الأرضيّة لها، في الوقت الذي تقترب المنطقة ككل من دُخول مرحلة بداية الحلول للملفّات العالقة في أكثر من بلد. ولا شكّ أنّ صدى الرسالة السياسيّة-الإعلاميّة الإيرانيّة سيتردّد في أكثر من بلد إقليمي، وُصولاً إلى واشنطن و​موسكو​، باعتبار أنّه يحمل تهديدًا مُبطنًا مفاده انّ تجاهل إيران خلال مرحلة إنضاج الحلول للمنطقة، سيدفعها بما تملكه من نُفوذ في العديد من دول المنطقة، إلى رفض أيّ قرارات لا تأخذ مصالحها في الإعتبار، وإلى عرقلتها بما تملكه من أدوات ومن ميليشيات مُسلّحة مُوالية لها ومَدعومة من قبلها.​​​​​​​

إشارة إلى أنّ موقف روحاني الأخير تزامن مع زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة، والتي تتمحور حول موضوعين أساسيّين، الأوّل مُحاولة ترتيب العلاقات مُجدّدًا بين السعودية وقطر من خلال إقناع كل من السعودية و​الإمارات​ و​البحرين​ ومصر بالجلوس حول طاولة حوار مع قطر لحلّ المشاكل، والموضوع الثاني مُحاولة ضم أكبر عدد مُمكن من دول المنطقة إلى جُهود أميركيّة جديدة للتضييق على إيران، ولفرض عُقوبات على "​الحرس الثوري الإيراني​"، وللضغط لإنسحاب الميليشيات المُؤيّدة لها من العراق وسوريا وغيرها.

وعلى المُستوى اللبناني، إنّ ما قاله الرئيس روحاني لا يُمثّل كشفًا لما خُفي، إنّما إعلانًا لما هو معلوم ومُثبت بالقرائن، حيث أنّ نُفوذ "حزب الله" المدعوم من طهران على مُختلف الصُعد، في السياسة الداخليّة للبنان حاسم، كما أظهرت سلسلة من الأحداث منذ العام 2005 حتى اليوم، لكنّه جاء مُناسبًا لخُصوم "الحزب" لتصويب السهام على تبعيّة "حزب الله" للخارج، وعلى لعبه دور الذراع الإيراني في لبنان والمنطقة. والمواقف التي صدرت (وتلك التي يُتوقّع صُدورها في الساعات المُقبلة)، وإضافة إلى كونها صوّبت على "الحزب" من جهة، فهي إستهدفت من جهة أخرى الدولة اللبنانيّة ككل، وبعضها طال رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​، بصفته المُؤتمن الأوّل على السيادة اللبنانية وعلى رفض أيّ تدخلات خارجية في توجّهاتها.

​​​​​​​

لكنّ تحرّك خُصوم "حزب الله" على المُستوى اللبناني لا يتعدّى تسجيل المواقف وكسب النقاط المَعنويّة في أفضل الأحوال، وذلك في إطار الصراع السياسي الداخلي المحدود التأثير، بينما الصراع الفعلي القائم في المنطقة يتلخّص في إستمرار عمليّات "شدّ الحبال" بين إيران الماضية في "تصدير ثورتها" وفي توسيع نُفوذها الإقليمي وفق أساليب مُنوّعة، وخُصومها الإقليميّين والدَوليّين الذين يُواصلون في المُقابل مُحاولات وقف هذا التمدّد الإيراني في المنطقة، ومُحاولات منع طهران من التأثير في سياسات دول المنطقة حسب مصالحها وأهوائها. وهذا الصراع لا يبدو أنّه يقترب من نهايته، بل هو يتجه إلى تصعيد جديد، ولوّ بأساليب مُختلفة عن تلك العسكريّة غير المُباشرة التي إستخدمت في السنوات القليلة الماضية.